إسرائيل وفكرة 'الأمة الشهيدة'!!
بقلم الدكتور : سعيد العكش
قنعت الصهيونية العالم كله علي طول القرن العشرينبأنها دعوة إنسانية، حضارية، تقدمية، وأن استقرارها في فلسطين سوف يحمل الي سكان البلاد الأصليين 'الفلسطينيين' والي من حولهم من الشعوب النور والتحرير والتنوير.
هكذا كانوا يقولون، كأنهم سرقوا هذه الوعود الخلابة من الشيوعية! ثم انهارت الشيوعية بين عشية وضحاها. وبقيت الصهيونية مع ذلك في داخل فلسطين وخارجها، مستفيدة في دعايتها السياسية من ماضيها الأليم مع 'اللاسامية الغربية'، وخاصة في الحقبة الالمانية الهتلرية، التي لولاها لكانت الصهيونية قد أفلست.
لكن الحرب العالمية الثانية التي اضطر اليهود خلالها الي اعلان انفسهم 'أمة شهيدة' متحالفة مع الغرب، مستظلة بحمايته السياسية والعسكرية والاقتصادية، أدت الي قيام الدولة الصهيونية في قلب العالم العربي، بعد نهاية هذه الحرب بثلاثين شهرا.
ولو أن هيئة من الباحثين بدأت عملا جديا يتوافر فيه التجرد والقدرة علي الخوض في خضم الوثائق المختلفة، لوصلت الي ربط اصح للنتائج بأسبابها، ولتبين لها ان الاكتفاء بإلصاق بطاقة 'اللاسامية' علي ظاهرة تاريخية معينة، لا يمكن ان يكون الا هروبا من عناء التحقيق والتدقيق.
ففي الدنيا مسلمون وهندوس وبوذيون، ومالا ينتهي اليه حصر من المذاهب والعقائد والأديان، وكثير منها يتعرض لموجات من الكراهية والعداوة والصراع، ومع ذلك ليست منهم 'أمة شهيدة' بالصورة التي تصف الصهيونية اليهود بها.
حتي هذه الحرب العالمية الثانية، وحتي لو سلمنا بالأرقام التي تقدمها الصهيونية للعالم: ثلاثة ملايين.. أربعة.. خمسة، ثم ماذا؟
لقد مات للصين في وجه الغزو الياباني أضعاف ذلك، والروس في قتال الهتلرية فقدوا أكثر من عشرة ملايين من زهرة شبابهم وغيرهم كثير، فلماذا يحتكر الصهاينة فكرة 'الأمة الشهيدة' لأنفسهم، ولماذا لا يزعمون ان امتهم تعيش منذ الأزل في الخوف والاحتقار والازدراء؟
ان انبياءهم قد وصفوهم بأنهم 'قوم صلاب الرؤوس، غلاظ الرقاب' واذا كان الله تعالي قد اختارهم حقا، فان الدلائل كلها تقوم علي انهم هم لم يختاروه، حتي وموسي وهارون معهم، وبين ظهرانيهم.
فمنذ شاهدناهم علي مسرح التاريخ وهم 'الأمة المشاغبة' الباحثة عن المشكلات، والمستفيدة منها، واللاسامية الحديثة لم تظهر في الغرب من لاشيء. امتلأت أوربا باللاجئين اليهود من القمع العسكري الروماني في مصر، والشام والعراق واسيا الصغري وشمال افريقيا، منذ انتشار النفوذ اليوناني في تلك الاقاليم، مع فتوح الاسكندر المقدوني، أولا ثم الروماني من بعده. ففي ذلك العصر البعيد كان اليهود في تلك المستعمرات يستولون علي الانتاج الضروري لحياة الأمة التي يعيشون في كنفها، ويقومون بدور الوسيط بينها وبين الجيش المحتل، حتي كرههم الطرفان.
والذي يقرأ كتابات المؤرخ اليهودي يوسيفوس 'من العصر الروماني' يجد انه خصص كتابا كاملا للرد علي كتاب مفكر يوناني اسمه آبيون نشر فيه مثالب اليهود وحذر من خطرهم علي الحريات.
* * *
كل هذا حتي أضع القاريء الكريم في جو الشغب اليهودي الذي ادي الي ظهور 'اللاسامية' أي عداوة اليهود، والدعوة الي التخلص منهم علي اي وجه من الوجوه والبحث الآن يكاد يشبه البحث عن ايهما اسبق في الظهور: البيضة أم الدجاجة؟ وهنا أيهما أسبق: اللاسامية أم الصهيونية؟
إن أول حركة من اللاسامية جاءت من فرعون مصر. لكن كانت قد سبقتها حركة تقدير ومحبة وترحيب باليهود، في أيام يوسف ويعقوب عليهما السلام.
ففرعون سلم مقاليد السياسة والاقتصاد ليوسف، وسمح له بأن يبيع من مخزون الغذاء الموجود بمصر لبني اسرائيل.
وعندما فتحت أبواب مصر لإخوة يوسف، اشتاق اليه ابيه وامه، فاستأذن فرعون في احضارهما من فلسطين فأذن له فرعون علي الفور، كما أذن بأن يقيم أهل يوسف في مصر، وفي أنسب بقاعها لهم، بشرق الدلتا.
لكن بني اسرائيل كانوا قد كثر عددهم جدا في مصر، في وقت كانت الامبراطورية الفرعونية قد ضعفت، وباتت تخشي غزوا عسكريا من الشرق.
وأحس فرعون باحتمال خيانة اسرائيلية له، بالانضمام الي اعدائه الغزاة، فاندلعت حملة رعب سياسي وعسكريمن هؤلاء الأجانب، ووصلت الي الاضطهاد، أي اللاسامية. وكل هذا مشار اليه تفصيلا في التوراة 'سفر الخروج'.
وكان الظرف السياسي والاجتماعي مناسبا لبعثة موسي عليه السلام لانقاذ اليهود من بطش فرعون، وتبليغ شريعة الالهية وحدانية في غضون رحلتهم مع موسي الي ارض كنعان 'فلسطين' وسط مشاغبات وثورات ضد موسي نفسه.
فالتسامح والترحيب أولا، والقهر والبطش ثانيا، كانا لاسباب سياسية واجتماعية وأمنية، لا علاقة لها بالعصبية الدينية أو العنصرية.
وعلي هذا الضوء يمكن ان نبحث كل حركات اللاسامية فيما بعد، علي منهج باحث يهودي هو الفرنسي برنار لازار الذي نشر كتابا بعنوان 'اللاسامية'، أغضب الصهيونية لأنه تجرأ وبدأ يبحث في اسباب العداوة لليهود 'اللاسامية' من سلوك اليهود انفسهم. ووضع قائمة طويلة من الاسباب، كلها صادرة عن تطرف اليهود وتعصبهم وخلطهم السياسة بالدين، ووضع ذلك كله تحت شعار التكتل العنصري، وما بداخل انفسهم من كبرياء تتجلي في اعتقادهم انهم 'شعب الله المختار' مما ادي الي تقوقعهم وعزلتهم وتبرير تلك العزلة بالخوف من ان يتنجسوا بالاختلاط بالأمم الاخري، وما ترتب علي ذلك من اوضاع مادية وروحية وثقافية تجعلهم منبوذين مكروهين.
* * *
فاللاسامية لم تنشأ من فراغ، بل ان شعوب اوربا قد عانت من استغلال اليهود لهم، خصوصا في فترات الحروب، وهي كثيرة في العصور الوسطي، مما زاد من هذه الكراهية.
من هنا فان تعرض اليهود للاضطهاد المتكرر له اسباب اعمق من انهم يهود ولكن 'اللاسامية' كانت ولاتزال تهمة مريحة جدا سهلة الاستعمال يضعون علي حسابها كل أوزارهم.
هكذا كانوا يقولون، كأنهم سرقوا هذه الوعود الخلابة من الشيوعية! ثم انهارت الشيوعية بين عشية وضحاها. وبقيت الصهيونية مع ذلك في داخل فلسطين وخارجها، مستفيدة في دعايتها السياسية من ماضيها الأليم مع 'اللاسامية الغربية'، وخاصة في الحقبة الالمانية الهتلرية، التي لولاها لكانت الصهيونية قد أفلست.
لكن الحرب العالمية الثانية التي اضطر اليهود خلالها الي اعلان انفسهم 'أمة شهيدة' متحالفة مع الغرب، مستظلة بحمايته السياسية والعسكرية والاقتصادية، أدت الي قيام الدولة الصهيونية في قلب العالم العربي، بعد نهاية هذه الحرب بثلاثين شهرا.
ولو أن هيئة من الباحثين بدأت عملا جديا يتوافر فيه التجرد والقدرة علي الخوض في خضم الوثائق المختلفة، لوصلت الي ربط اصح للنتائج بأسبابها، ولتبين لها ان الاكتفاء بإلصاق بطاقة 'اللاسامية' علي ظاهرة تاريخية معينة، لا يمكن ان يكون الا هروبا من عناء التحقيق والتدقيق.
ففي الدنيا مسلمون وهندوس وبوذيون، ومالا ينتهي اليه حصر من المذاهب والعقائد والأديان، وكثير منها يتعرض لموجات من الكراهية والعداوة والصراع، ومع ذلك ليست منهم 'أمة شهيدة' بالصورة التي تصف الصهيونية اليهود بها.
حتي هذه الحرب العالمية الثانية، وحتي لو سلمنا بالأرقام التي تقدمها الصهيونية للعالم: ثلاثة ملايين.. أربعة.. خمسة، ثم ماذا؟
لقد مات للصين في وجه الغزو الياباني أضعاف ذلك، والروس في قتال الهتلرية فقدوا أكثر من عشرة ملايين من زهرة شبابهم وغيرهم كثير، فلماذا يحتكر الصهاينة فكرة 'الأمة الشهيدة' لأنفسهم، ولماذا لا يزعمون ان امتهم تعيش منذ الأزل في الخوف والاحتقار والازدراء؟
ان انبياءهم قد وصفوهم بأنهم 'قوم صلاب الرؤوس، غلاظ الرقاب' واذا كان الله تعالي قد اختارهم حقا، فان الدلائل كلها تقوم علي انهم هم لم يختاروه، حتي وموسي وهارون معهم، وبين ظهرانيهم.
فمنذ شاهدناهم علي مسرح التاريخ وهم 'الأمة المشاغبة' الباحثة عن المشكلات، والمستفيدة منها، واللاسامية الحديثة لم تظهر في الغرب من لاشيء. امتلأت أوربا باللاجئين اليهود من القمع العسكري الروماني في مصر، والشام والعراق واسيا الصغري وشمال افريقيا، منذ انتشار النفوذ اليوناني في تلك الاقاليم، مع فتوح الاسكندر المقدوني، أولا ثم الروماني من بعده. ففي ذلك العصر البعيد كان اليهود في تلك المستعمرات يستولون علي الانتاج الضروري لحياة الأمة التي يعيشون في كنفها، ويقومون بدور الوسيط بينها وبين الجيش المحتل، حتي كرههم الطرفان.
والذي يقرأ كتابات المؤرخ اليهودي يوسيفوس 'من العصر الروماني' يجد انه خصص كتابا كاملا للرد علي كتاب مفكر يوناني اسمه آبيون نشر فيه مثالب اليهود وحذر من خطرهم علي الحريات.
* * *
كل هذا حتي أضع القاريء الكريم في جو الشغب اليهودي الذي ادي الي ظهور 'اللاسامية' أي عداوة اليهود، والدعوة الي التخلص منهم علي اي وجه من الوجوه والبحث الآن يكاد يشبه البحث عن ايهما اسبق في الظهور: البيضة أم الدجاجة؟ وهنا أيهما أسبق: اللاسامية أم الصهيونية؟
إن أول حركة من اللاسامية جاءت من فرعون مصر. لكن كانت قد سبقتها حركة تقدير ومحبة وترحيب باليهود، في أيام يوسف ويعقوب عليهما السلام.
ففرعون سلم مقاليد السياسة والاقتصاد ليوسف، وسمح له بأن يبيع من مخزون الغذاء الموجود بمصر لبني اسرائيل.
وعندما فتحت أبواب مصر لإخوة يوسف، اشتاق اليه ابيه وامه، فاستأذن فرعون في احضارهما من فلسطين فأذن له فرعون علي الفور، كما أذن بأن يقيم أهل يوسف في مصر، وفي أنسب بقاعها لهم، بشرق الدلتا.
لكن بني اسرائيل كانوا قد كثر عددهم جدا في مصر، في وقت كانت الامبراطورية الفرعونية قد ضعفت، وباتت تخشي غزوا عسكريا من الشرق.
وأحس فرعون باحتمال خيانة اسرائيلية له، بالانضمام الي اعدائه الغزاة، فاندلعت حملة رعب سياسي وعسكريمن هؤلاء الأجانب، ووصلت الي الاضطهاد، أي اللاسامية. وكل هذا مشار اليه تفصيلا في التوراة 'سفر الخروج'.
وكان الظرف السياسي والاجتماعي مناسبا لبعثة موسي عليه السلام لانقاذ اليهود من بطش فرعون، وتبليغ شريعة الالهية وحدانية في غضون رحلتهم مع موسي الي ارض كنعان 'فلسطين' وسط مشاغبات وثورات ضد موسي نفسه.
فالتسامح والترحيب أولا، والقهر والبطش ثانيا، كانا لاسباب سياسية واجتماعية وأمنية، لا علاقة لها بالعصبية الدينية أو العنصرية.
وعلي هذا الضوء يمكن ان نبحث كل حركات اللاسامية فيما بعد، علي منهج باحث يهودي هو الفرنسي برنار لازار الذي نشر كتابا بعنوان 'اللاسامية'، أغضب الصهيونية لأنه تجرأ وبدأ يبحث في اسباب العداوة لليهود 'اللاسامية' من سلوك اليهود انفسهم. ووضع قائمة طويلة من الاسباب، كلها صادرة عن تطرف اليهود وتعصبهم وخلطهم السياسة بالدين، ووضع ذلك كله تحت شعار التكتل العنصري، وما بداخل انفسهم من كبرياء تتجلي في اعتقادهم انهم 'شعب الله المختار' مما ادي الي تقوقعهم وعزلتهم وتبرير تلك العزلة بالخوف من ان يتنجسوا بالاختلاط بالأمم الاخري، وما ترتب علي ذلك من اوضاع مادية وروحية وثقافية تجعلهم منبوذين مكروهين.
* * *
فاللاسامية لم تنشأ من فراغ، بل ان شعوب اوربا قد عانت من استغلال اليهود لهم، خصوصا في فترات الحروب، وهي كثيرة في العصور الوسطي، مما زاد من هذه الكراهية.
من هنا فان تعرض اليهود للاضطهاد المتكرر له اسباب اعمق من انهم يهود ولكن 'اللاسامية' كانت ولاتزال تهمة مريحة جدا سهلة الاستعمال يضعون علي حسابها كل أوزارهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق