بقلم الدكتور: سعيد العكش
من أجل وضع طبيعي لليهود
من أجل وضع طبيعي لليهود
قرأت كتابا لمؤلف إسرائيلي من كبار أدباء الدولة الصهيونية في أيامنا هذه، اسمه أفراهام بن يهوشواع، وعنوان كتابه 'من أجل وضع طبيعي لليهود'، وهو كاتب قصص إلي لغات كثيرة في العالم.
وقبل أن أبدأ قراءة الكتاب قلت لنفسي: مجرد العنوان يتضمن اعترافا صريحا بان 'وضع اليهود غير طبيعي' وأنني أمام محاولة من جانب المؤلف من أجل 'وضع طبيعي لليهود'.
وقد أشار المؤلف في ثنايا كتابه، من بدايته إلي نهايته، إلي أن 'الأمة اليهودية' لم تتكون في فلسطين. فإبراهيم قد دعا إلي التوحيد في العراق، في مدينة أور الكلدانية، التي ولد فيها وموسي جهر بنفس الدعوة في مصر الفرعونية، التي ولد فيها أيضا.
وكلاهما قضي فترة طويلة من عمره مغربا ضاربا في مناكب الأرض. إبراهيم في بادية الشام ومصر والحجاز، وموسي في صحراء مديان ثم في قفار سيناء، وحده أولا، ثم مع هارون وبني إسرائيل أخيرا، دون أن يدخلوا فلسطين.
ويري المؤلف ان القفار والجبال والخرائب كانت 'التضاريس' المميزة لحياة بني إسرائيل، وأنهم لم يألفوا فكرة إقامة 'دولة' إلا بعد أربعة قرون من موسي وهارون، وكانت كلها محاولات للاستقرار بفلسطين، بعد العمل الفاشل في إبادة سكانها الاصليين ومعهم جيرانهم المؤابيون في الأردن والآراميون في سوريا، وعلي هذا المدي الطويل كان بنو إسرائيل يفكرون في إنشاء دولة.
* * *
ويشير المؤلف إلي نص في كتابهم المقدس يشير إلي أن الرب نفسه كان ضد فكرة الدولة، واشارته العابرة تقتضي أن أعود إلي هذا النص تيسيرا علي القاريء الكريم.
وكانت القصة كلها في أيام صموئيل الذي يعدونه آخر القضاة 'شيوخ القبائل' وأول 'الأنبياء' لان إبراهيم وابناءه واحفاده كانوا في عرفهم 'السلف الصالح' وموسي كان 'رجل الله' أي رسول الله. وهكذا كان صموئيل أول من يحمل لقب 'نبي' في بني إسرائيل.
تقول قصة صموئيل انه جاء شيوخ إسرائيل إليه وقالوا له: 'الآن أقم علينا ملكا يقضي بيننا كجميع الأمم، فقبح هذا الكلام في عيني صموئيل' (صموئيل الأول 8) وراح يشرح له سلوك طغاة الملوك في العالم المعاصر له، إلي ان قال إن الملك 'يستولي علي ابنائكم ويأخذهم لنفسه، لعربته ولفرسانه، ويجعل بناتكم وصيفات، ويستولي علي حقولكم.. وانتم تكونون له عبيدا، فتصرخون في ذلك اليوم من ملككم الذي اخترتموه لانفسكم، فلا يجيبكم الرب في ذلك اليوم. فأبي الشعب أن يسمعوا قول صموائيل، وقالوا: كلا، بل يملك علينا ملكا..'
* * *
ونزل صموئيل عند رغبتهم وضد رأيه هو فولي عليهم شاؤول، ثم أعقبه داود وسليمان، وتحققت لهم 'الدولة'. ولكنهم لم يرضوا بها، فانتحر شاؤول، وقضي داود حياته محاربا، أو مستعينا بالله من قومه باكيا، وتعرض سليمان لثورات كثيرة، وحركات من العصيان المدني، أهمها حركة 'يربعام بن نباط' لإسقاط عرش سليمان، ولكن الله كان مع سليمان ففشل هذا القائد، وهرب لاجئا سياسيا لدي الفراعنة، ثم عاد الي فلسطين عند موت سليمان ليستولي علي العرش، فلم ينجح إلا في الاستيلاء علي الشطر الشمالي من المملكة.
وهكذا تقلصت الدولة بتمزيقها نصفين، عاش كل منهما تحت حماية دولة أجنبية قوية، إلي أن سقط والشطر الشمالي من المملكة في أيدي الأشوريين في القرن السادس قبل الميلاد، ثم سقط الشطر الجنوبي بعد ذلك بقرن من الزمان أمام جيوش 'بختنصر البابلي' وكان الذعر الذي أصاب بني إسرائيل أمام الغزو الأشوري سببا في هجرة عشرة أسباط من بني إسرائيل وتفرقهم في بلاد الله، حيث ضاعوا ولم يعد لهم أثر! أما سبطا يهوذا وبنيامين الباقيان، فقد ساقهما بختنصر أسري في بابل في القرن الخامس قبل الميلاد، بعد تدمير هيكل سليمان وتخريب مدينة القدس..
* * *
وجعل المؤلف هذا الحادث هو بداية تكون الشخصية اليهودية: تكونت في الهزيمة والذل والشتات والاغتراب، وسط عالم أقل ما يقال عنه إنه لا يرحب باليهود.
ومن هنا أبرز المؤلف الانفصام بين اليهود والعالم، والتمسوا السلوي عن هذا البلاء بادعاء أنهم 'ابناء الله'، و'شعبه المختار' المختص بمزايا مقدسة ليست لبقية البشر.
* * *
ويسأل المؤلف إذا كان هناك سر خفي حبب الشتات لليهود؟ هم يبكون علي تخريب أورشليم، ومنذ قرابة ألفين من السنين واليهودي يتمني في العيد لاخيه في الدين 'العام القادم في اورشليم'! ومع ذلك هو مستقر في الشتات، مهما كان قاسيا، ومجتمع بعضه مع بعض في أحياء خاصة يمارس فيها يهوديته بعيدا عن الانظار. ولعله يشعر بانه حر في الشتات أكثر منه في ظل دولة يهودية في فلسطين، فالقانون في الشتات يتلخص في 'نصائح' يقدمها الحاخام، ولا حول له ولا قوة علي من يخالفها، بينما هي اجبارية وملزمة، وهي أكثر تعسفا وتطرفا في الدولة الصهيونية المعاصرة.
أي أن مخاوف صموئيل القديمة كانت مخاوف سياسية بعيدة النظر، وكأنه كان علي يقين من أن 'دولة اليهود' ستكون دائما مصيبة علي اليهود! لكن لماذا؟ ذلك لايهامهم الاسطوري بانهم 'ممتازون' بقرار أبدي وأزلي من خالق السماوات والأرض، وان كل واحد من خلق الله هو 'شخص آخر' يجب الا يختلطوا به أو يندمجوا فيه، ومن هنا جاء 'الوضع غير الطبيعي' الذي يحاول مؤلف هذا الكتاب أن يجد السبيل إلي تغييره.
* * *
من هنا فقد أكد المؤلف الإسرائيلي علي أن اليهود ليسوا عنصرا أو سلالة كما يزعم الصهاينة بل هم شعب' فقط، كسائر شعوب العالم المكونة من عناصر وأعراق متعددة. وأفاض في ذلك بحماسة حتي يصل إلي 'الوضع الطبيعي' الذي يبحث عنه.
وقبل أن أبدأ قراءة الكتاب قلت لنفسي: مجرد العنوان يتضمن اعترافا صريحا بان 'وضع اليهود غير طبيعي' وأنني أمام محاولة من جانب المؤلف من أجل 'وضع طبيعي لليهود'.
وقد أشار المؤلف في ثنايا كتابه، من بدايته إلي نهايته، إلي أن 'الأمة اليهودية' لم تتكون في فلسطين. فإبراهيم قد دعا إلي التوحيد في العراق، في مدينة أور الكلدانية، التي ولد فيها وموسي جهر بنفس الدعوة في مصر الفرعونية، التي ولد فيها أيضا.
وكلاهما قضي فترة طويلة من عمره مغربا ضاربا في مناكب الأرض. إبراهيم في بادية الشام ومصر والحجاز، وموسي في صحراء مديان ثم في قفار سيناء، وحده أولا، ثم مع هارون وبني إسرائيل أخيرا، دون أن يدخلوا فلسطين.
ويري المؤلف ان القفار والجبال والخرائب كانت 'التضاريس' المميزة لحياة بني إسرائيل، وأنهم لم يألفوا فكرة إقامة 'دولة' إلا بعد أربعة قرون من موسي وهارون، وكانت كلها محاولات للاستقرار بفلسطين، بعد العمل الفاشل في إبادة سكانها الاصليين ومعهم جيرانهم المؤابيون في الأردن والآراميون في سوريا، وعلي هذا المدي الطويل كان بنو إسرائيل يفكرون في إنشاء دولة.
* * *
ويشير المؤلف إلي نص في كتابهم المقدس يشير إلي أن الرب نفسه كان ضد فكرة الدولة، واشارته العابرة تقتضي أن أعود إلي هذا النص تيسيرا علي القاريء الكريم.
وكانت القصة كلها في أيام صموئيل الذي يعدونه آخر القضاة 'شيوخ القبائل' وأول 'الأنبياء' لان إبراهيم وابناءه واحفاده كانوا في عرفهم 'السلف الصالح' وموسي كان 'رجل الله' أي رسول الله. وهكذا كان صموئيل أول من يحمل لقب 'نبي' في بني إسرائيل.
تقول قصة صموئيل انه جاء شيوخ إسرائيل إليه وقالوا له: 'الآن أقم علينا ملكا يقضي بيننا كجميع الأمم، فقبح هذا الكلام في عيني صموئيل' (صموئيل الأول 8) وراح يشرح له سلوك طغاة الملوك في العالم المعاصر له، إلي ان قال إن الملك 'يستولي علي ابنائكم ويأخذهم لنفسه، لعربته ولفرسانه، ويجعل بناتكم وصيفات، ويستولي علي حقولكم.. وانتم تكونون له عبيدا، فتصرخون في ذلك اليوم من ملككم الذي اخترتموه لانفسكم، فلا يجيبكم الرب في ذلك اليوم. فأبي الشعب أن يسمعوا قول صموائيل، وقالوا: كلا، بل يملك علينا ملكا..'
* * *
ونزل صموئيل عند رغبتهم وضد رأيه هو فولي عليهم شاؤول، ثم أعقبه داود وسليمان، وتحققت لهم 'الدولة'. ولكنهم لم يرضوا بها، فانتحر شاؤول، وقضي داود حياته محاربا، أو مستعينا بالله من قومه باكيا، وتعرض سليمان لثورات كثيرة، وحركات من العصيان المدني، أهمها حركة 'يربعام بن نباط' لإسقاط عرش سليمان، ولكن الله كان مع سليمان ففشل هذا القائد، وهرب لاجئا سياسيا لدي الفراعنة، ثم عاد الي فلسطين عند موت سليمان ليستولي علي العرش، فلم ينجح إلا في الاستيلاء علي الشطر الشمالي من المملكة.
وهكذا تقلصت الدولة بتمزيقها نصفين، عاش كل منهما تحت حماية دولة أجنبية قوية، إلي أن سقط والشطر الشمالي من المملكة في أيدي الأشوريين في القرن السادس قبل الميلاد، ثم سقط الشطر الجنوبي بعد ذلك بقرن من الزمان أمام جيوش 'بختنصر البابلي' وكان الذعر الذي أصاب بني إسرائيل أمام الغزو الأشوري سببا في هجرة عشرة أسباط من بني إسرائيل وتفرقهم في بلاد الله، حيث ضاعوا ولم يعد لهم أثر! أما سبطا يهوذا وبنيامين الباقيان، فقد ساقهما بختنصر أسري في بابل في القرن الخامس قبل الميلاد، بعد تدمير هيكل سليمان وتخريب مدينة القدس..
* * *
وجعل المؤلف هذا الحادث هو بداية تكون الشخصية اليهودية: تكونت في الهزيمة والذل والشتات والاغتراب، وسط عالم أقل ما يقال عنه إنه لا يرحب باليهود.
ومن هنا أبرز المؤلف الانفصام بين اليهود والعالم، والتمسوا السلوي عن هذا البلاء بادعاء أنهم 'ابناء الله'، و'شعبه المختار' المختص بمزايا مقدسة ليست لبقية البشر.
* * *
ويسأل المؤلف إذا كان هناك سر خفي حبب الشتات لليهود؟ هم يبكون علي تخريب أورشليم، ومنذ قرابة ألفين من السنين واليهودي يتمني في العيد لاخيه في الدين 'العام القادم في اورشليم'! ومع ذلك هو مستقر في الشتات، مهما كان قاسيا، ومجتمع بعضه مع بعض في أحياء خاصة يمارس فيها يهوديته بعيدا عن الانظار. ولعله يشعر بانه حر في الشتات أكثر منه في ظل دولة يهودية في فلسطين، فالقانون في الشتات يتلخص في 'نصائح' يقدمها الحاخام، ولا حول له ولا قوة علي من يخالفها، بينما هي اجبارية وملزمة، وهي أكثر تعسفا وتطرفا في الدولة الصهيونية المعاصرة.
أي أن مخاوف صموئيل القديمة كانت مخاوف سياسية بعيدة النظر، وكأنه كان علي يقين من أن 'دولة اليهود' ستكون دائما مصيبة علي اليهود! لكن لماذا؟ ذلك لايهامهم الاسطوري بانهم 'ممتازون' بقرار أبدي وأزلي من خالق السماوات والأرض، وان كل واحد من خلق الله هو 'شخص آخر' يجب الا يختلطوا به أو يندمجوا فيه، ومن هنا جاء 'الوضع غير الطبيعي' الذي يحاول مؤلف هذا الكتاب أن يجد السبيل إلي تغييره.
* * *
من هنا فقد أكد المؤلف الإسرائيلي علي أن اليهود ليسوا عنصرا أو سلالة كما يزعم الصهاينة بل هم شعب' فقط، كسائر شعوب العالم المكونة من عناصر وأعراق متعددة. وأفاض في ذلك بحماسة حتي يصل إلي 'الوضع الطبيعي' الذي يبحث عنه.
مشكور أخي الكريم الدكتور سعيد العكش على هذه الآراء الثورية فى الصهيونية وأصولها،
ردحذفوبالمناسبة هل أنت قريب للدكتور حسن العكش؟
دكتور سعيد انا تلميذتك دفعة 1989 اسمح لى نقلت مقالك الى منتدايا فى هذا الرابط
ردحذفhttp://wahet-aleslam.com/vb/showthread.php?p=66458#post66458
ارجو ان تتذكرنى